مناجم الذهب في السودان.. ثروة تتقاطع فيها مصالح محلية وأجنبية
يُعد السودان من أغنى الدول الأفريقية بالثروات المعدنية، وعلى رأسها الذهب، إذ يضم أكثر من 40 ألف موقع مخصص للتعدين، وتعمل فيه نحو 60 شركة لتكرير الذهب موزعة على 13 ولاية، منها 15 شركة في ولاية جنوب كردفان وحدها.
وتُعد المناطق الصحراوية في شمال السودان الأكثر غنى بالمعدن النفيس، لما تحتويه من احتياطات ضخمة من الذهب الخام، إضافة إلى انتشاره في مواقع تمتد من ضفاف الخرطوم شمالاً، مروراً بساحل البحر الأحمر وسلسلة جباله، وصولاً إلى الغرب عند جبل عوينات ومنطقة الطينة في دارفور.
منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، وفقدان البلاد أكثر من 75% من مواردها النفطية، أصبح الذهب المورد الأساسي للنقد الأجنبي، حيث فقد السودان نحو 80% من إيرادات العملة الصعبة التي كانت تعتمد على النفط سابقاً.
إنتاج واحتياطات السودان من الذهب
يحتل السودان المرتبة الثالثة أفريقياً في إنتاج الذهب.
ففي عام 2022 بلغ الإنتاج 18.6 مليون غرام، فيما سجّل عام 2018 إنتاجاً يناهز 93 طناً من الذهب، وفق بيانات المسح الجيولوجي الأميركي. وتُقدّر وزارة الطاقة والتعدين السودانية احتياطي الذهب بنحو 1550 طناً، بحسب وكالة الأناضول.
ولتعزيز إنتاج المعادن وتنويع مصادر الدخل، منحت الحكومة أكثر من 85 ترخيصاً لشركات تنقيب محلية وأجنبية، في محاولة لزيادة العائدات وتمويل الواردات.
أهم مناجم الذهب في السودان
منجم هساي (حسّي)
يقع في شمال شرق السودان، وهو من أهم مواقع إنتاج الذهب في البلاد. اكتُشف عام 1993، وبلغ إنتاجه حتى عام 2011 حوالي 2.3 مليون أوقية من الذهب من 18 حفرة مفتوحة.
تتوزع ملكيته بين شركة أرياب السودانية (60%) وشركة لا مانشا ريسورسز التابعة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (40%).
يُقدّر احتياطي المنجم المؤكد والمحتمل بنحو 14 مليون طن بمعدل تركيز يبلغ 2.4 غرام/طن.
ويقع ضمن حزام أرياب الأخضر الغني بالصخور البركانية والمتحولة، مما يجعل تركيبته الجيولوجية خصبة بالمعادن الثمينة.
منجم بلوك 15 (قبقبة)
تُعد منطقة قبقبة في ولاية نهر النيل من أبرز مناطق التعدين الأهلي في السودان.
وفي عام 2021، استحوذت شركة مناجم المغربية على 65% من مشروع توسعة المنجم بعد صفقة مع شركة وانباو الصينية، بتكلفة تُقدّر بـ 250 مليون دولار، بهدف رفع الإنتاج إلى 200 ألف أونصة سنوياً.
تُشرف على المشروع شركات فرعية مثل مانوب، وتُجرى عمليات الاستكشاف ضمن نطاق غني بالذهب يمتد على مساحة 14,479 كيلومتراً مربعاً على الحدود مع مصر.
منجم جبل عامر
يقع شمال مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ويُنتج نحو 50 طناً سنوياً من الذهب، ما يجعله ثالث أكبر منجم في أفريقيا.
اكتُشف عام 2012 على يد معدّنين محليين، وسرعان ما تحوّل إلى مركز جذب لآلاف الباحثين عن الثروة.
لكن ثراء المنطقة أشعل نزاعات مسلحة بين قبائل ومليشيات، أبرزها مليشيا الجنجويد بقيادة موسى هلال، قبل أن تسيطر عليها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) عام 2017.
تولت شركة الجنيد المملوكة لعائلة دقلو إدارة عمليات التعدين هناك، وذكرت تقارير أنها كانت تبيع الذهب للبنك المركزي أحياناً بأسعار تفضيلية، ما منح الدعم السريع استقلالاً مالياً ساعده في توسيع نفوذه.
كما ظهرت لاحقاً شركة مروي غولد التابعة لمجموعة فاغنر الروسية، والتي دخلت مجال التنقيب في دارفور بالتعاون مع جهات عسكرية سودانية.
وفي عام 2021، أعلنت شركة الجنيد تسليم مناجم جبل عامر للحكومة الانتقالية، لكن تقارير عدة أشارت إلى استمرار نفوذها غير المباشر في المنطقة.
منجم بلوك 14 (مياس ساند)
يقع في صحراء النوبة شمال السودان قرب الحدود المصرية، ويمتد على مساحة 2170 كيلومتراً مربعاً.
يُدار المشروع بشراكة بين شركة بيرسيوس الأسترالية (70%) والحكومة السودانية (20%) وشركة مياس نُب المحلية (10%).
بدأ العمل فيه عام 2012 مع شركة أوركا غولد الكندية قبل أن تستحوذ عليه بيرسيوس عام 2022.
يُقدّر الاحتياطي المعدني بنحو 79.9 مليون طن بتركيز 1.11 غرام/طن، أي ما يعادل 2.85 مليون أوقية من الذهب، ويُعد من المشاريع الواعدة في شمال البلاد.
مناجم سونغو
تقع في منطقة الردوم بولاية جنوب دارفور، على بُعد 360 كيلومتراً من نيالا، وتحولت منذ عام 2016 إلى مركز رئيسي للتعدين الأهلي.
بلغ عدد العاملين فيها قبل الحرب الأخيرة نحو 100 ألف عامل، لكن الصراعات المسلحة والانفلات الأمني أديا إلى توقف شبه كامل للنشاط عام 2023.
تُعد شركة الجنيد المشغل الوحيد النشط في المنطقة، إلا أن إنتاجها تراجع بسبب نقص الوقود والأوضاع الأمنية. ومع نهاية موسم الأمطار في أكتوبر/تشرين الأول 2023، استؤنفت العمليات تدريجياً رغم استمرار المخاطر.
رغ الصراعات والاضطرابات، لا يزال الذهب يمثل الركيزة الاقتصادية الأهم في السودان، ومصدراً حيوياً للنقد الأجنبي، وسط تنافس متزايد بين اللوبيات المحلية والشركات الأجنبية على السيطرة على هذه الثروة الثمينة.



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.